بقعة دم تحت سجادة عجمية تكشف لغز جريمة غامضة ضحيتها سوري في كاليفورنيا
الشرطة الأميركية اعتقلت بعد أكثر من عامين مهاجرا من حمص اشتباها بقتل ابن أخيه وتمزيق جثته
من يروي بمياه التحرر تقاليد وعادات محافظة حملها معه الى بلاد بعيدة هاجر اليها، قد لا يحصد أحيانا سوى الفواجع والمآسي، كهذه الجريمة التي جرت وقائعها منذ عامين و6 أشهر تماما، حين عثر عمال مصنع لمعالجة الورق والكرتون قرب لوس أنجليس، على بقايا بشرية مهترئة، اتضح بعدها أنها من جثة شاب سوري، اختفى منذ 3 أسابيع من مدينة بوربنك، البعيدة 43 كيلومترا في الريف الشمالي لولاية كاليفورنيا الأميركية، التي هاجر اليها من سورية قبل 9 سنوات، وفيها قضى قتيلا بسلاح التناقض بين نمط عيشها وعادات بلاد ترك فيها أمه وإخوته الستة الصغار، ليلتحق بعمه المهاجر اليها قبله بعامين.
كانت جريمة بشعة وغامضة الدوافع، ومتشابكة الألغاز محيّرة، واستمرت حديث سكان بوربنك ولوس أنجليس ومصدر حيرة للشرطة طوال عامين ونصف العام، لأن أحدا لن يقتل شابا في الثالثة والثلاثين من العمر بوحشية وبلا أسباب ولا عداء مكشوف ومعروف. إلا أن شمس الأربعاء الماضي طلعت ومعها مفاجأة ساطعة: من نقطة دم أسفل سجادة عجمية ببيت في بوربنك، وجهت شرطة لوس أنجليس، المتعاونة في القضية مع نظيرتها بالمدينة الريفية، أصابعها الى مشتبه بقتل المهاجر السوري، هلال الطويل، بعد عامين من حصوله على دكتوراه بالهندسة المدنية من جامعة كاليفورنيا.
سريعا توجهوا الى شقة العم ببوربنك، فكبلته الشرطة بالأصفاد على مرأى من زوجته وابنه، وزجه رجالها رهن التحقيقات وراء قضبان سجن، لن يخرج منه الا بكفالة لا يملك دفعها، لأن قيمتها مليون دولار، وهو بالكاد يحصل على لقمة العيش لزوجته السورية، منى، وولديه الوحيدين منها: وائل، وعمره 28 سنة، وفيلما التي تصغره بستة أعوام.. هكذا هي الحال هذه الأيام مع المهاجر من مدينة حمص المحافظة، فاضل الطويل، البالغ عمره 64 سنة، والمعتقل اشتباها بهدر دماء ابن أخيه وتقطيع جثته إربا بالسكاكين.
وينفي العم ما يشتبه به المحققون، الذين يقولون في روايتهم أنهم ظلوا لأكثر من عامين يبحثون عن خيط، ولو صغير، يحلون به لغز الجريمة الغامضة الدوافع والأسباب، وكيف حدثت ومن كان مرتكبها، الى أن فتشوا شقة العم ثانية في بوربنك، وتحت سجادة عجمية صغيرة في الصالون وجدوا بقعة دم، أثبت فحصها طوال شهر في مختبر شرعي بأنه قد يكون القاتل، لأن البقعة الحمراء هي من عمر الجريمة تماما، ولأنها من دم ابن اخيه.
وتدافع الزوجة عن زوجها، وتؤكد أنها كانت برفقته طوال أول يوم من 1999حين اختفى هلال الطويل، ولم يعد يظهر له أثر. كذلك ينفي ابنه وائل ما ورد في تحقيقات، تسلمت «الشرق الأوسط» نسخة عنها من مخفر بوربنك. أما رواية فيلما، فقد أثارت شكوكا لدى الشرطة بأنه الوحيد الذي قد تكون في أعماقه دوافع وأسباب قد تحمله الى أكثر من الغضب على هلال الطويل، الى درجة يمكنه معها قتله، هو والدها، الغاضب دائما من حماية ابن عمها لها ودفاعه عن أسلوب عيشها على الطريقة الأميركية، لذلك قالت: «أريدهم أن يذيقوا القاتل، كائنا من كان، العقاب الذي يستحق».
من مختف الى قتيل كل شيء بدأ يوم 4 يناير (كانون الثاني) 1999 حين هرعت فيلما الطويل، البالغة وقتها 19 سنة من العمر، الى مخفر شرطة بوربنك، قائلة في شكوى تقدمت بها إن ابن عمها هلال اختفى عن الأنظار منذ أول يوم تلى احتفالات رأس السنة الميلادية ذلك العام، فبدأ رجال الأمن، يقودهم المحقق كارل كوستانزو، ماراثونا روتينيا للبحث عنه، وعثروا في اليوم التالي على سيارته متوقفة على بعد أمتار قليلة من عمارة يسكن في شقة منها عمه فاضل، والد فيلما، التي سبق وعبرت حين الابلاغ عن اختفائه عن خوفها بأنه قد يكون قضى قتلا، وذكرت الأسباب والدوافع، ملحة على رجال الأمن السعي لاعتقال قاتله «حتى ولو كان واحدا من عائلتي» وفق تعبيرها، الوارد في شهادتها للمحققين.
تلك العبارة كانت ايحاء لرجال الشرطة الذين توجهوا الى بيت العم وزوجته منى وابنه وائل، ممن ذكروا جميعهم بأنهم لم يروا هلال الطويل منذ أيام، في حين أن شهادة الابنة فيلما، اظهرت شيئا من التناقض في روايتهم. ففي شهادة الابنة أنها كانت في أول يوم من 1999 «هاربة» من والدها لدى ابن عمها في شقته، البعيدة 3 كيلومترات عن شقة عائلتها، حين طرق الوالد ومعه ابنه وائل باب شقة ابن أخيه بحثا عنها وهو غاضب «الا أننا لم نفتح الباب، خشية العواقب. وحدث أن هلال اتصل بعدها بوالدي عبر هاتفه النقال، ثم زاره بالبيت وتناول عنده الغداء هناك، من دون أن يتطرق أحدهم لحادثة الطرق على باب شقة هلال» كما قالت.
بعدها بساعتين عاد ابن عمها الى شقته، حيث كانت فيلما تنتظره، وأخبرها بأن كل شيء على ما يرام «لكنني استغربت طلبه بأن لا أبقى في الشقة اذا ما حدث له أي مكروه، فسمعت ولم أكترث. لكنه اختفى منذ الرابعة والنصف بعد ظهر ذلك اليوم، ولم أعد أراه من وقتها» وفق شهادتها.
تمضي بروايتها فتقول إنها زارت أفراد عائلتها في اليوم التالي، لتخبرهم بأنها لا تعثر على ابن عمها، وهو لا يرد على اتصالاتها الى هاتفه النقال، واستغربت أكثر قول والدها لها إنه لم يره منذ أيام، وهو الذي أخبرها بأنه تناول في بيت والدها الغداء قبلها. وتذكرت نصيحة ابن العم بالنوم خارج شقته فيما لو حدث له مكروه، فمضت وأقامت ليلتين في فندق قريبه، ومنه مضت الى مخفر بوربنك في اليوم التالي لتبلغ عن اختفائه الذي استمر 3 أسابيع، حتى العثور صدفة على القسم الأسفل من جثته، ناقصا الفخذ والساق اليمنى، في مصنع معالجة الورق والكرتون.
لكن ما تم اكتشافه لم يؤد لمعرفة هوية القتيل، فليس هناك سوى فخذ وساق من قدمه اليسرى، رغم التفتيش الدقيق في جميع أنحاء المصنع وأجهزته ومكائنه عن بقايا من الجثة قد تكون استقرت هنا وهناك، كقطعة من ثياب يمكن أن تحتوي على أوراق ثبوتية، أو على الأقل على يد من يديه، للتعرف عبر بصمات أصابعها الى هوية صاحبها. وبعد اتصالات بين مخافر الشرطة في الولاية، تكشف ان الجثة هي للشاب السوري المفقود.
زوجة العم: لا يقتل نملة وقد اتصلت «الشرق الأوسط» أمس بالسيدة منى الطويل، زوجة العم المعتقل اشتباها بقتل ابن أخيه، فقالت غاضبة عبر الهاتف من بيتها في بوربنك ان زوجها فاضل الطويل «بريء، ولا يقتل حتى نملة.. أنا نفسي كنت معه طوال نهار ذلك اليوم، فكيف يقتله ويقطع جثته بالسكين، ثم يحمله ليرميه في المصنع؟.. إنها من رواياتهم» في إشارة الى الشرطة.
ورفضت منى الطويل تقديم معلومات عن ابنتها، فيلما «الهاربة من البيت منذ شهرين تقريبا» على حد تعبيرها، ورفضت أن تذكر لماذا هربت ابنتها، وقالت: «هكذا تفعل دائما. هي حرة» وقالت إنه لم تكن بينها وبين ابن عمها أي علاقات خارجة عن المألوف أو ما يعيب» وذكرت أن زوجها هو الذي جاء بابن أخيه من سورية قبل 11 سنة «فكان آكلا، وشاربا ونائما عندنا، بل درس على حساب عمه، حتى تخرج من الجامعة».
الا أن المعلومات عن هلال الطويل تؤكد بأنه جاء الى لوس أنجليس، ليس بدعوة من عمه فاضل، بل ليدرس في جامعة بكاليفورنيا بمنحة من الحكومة السورية، التي استمرت تسدد تكاليف دراسته طوال 4 سنوات بالجامعة، التي أكمل فيها دراسته، دافعا التكاليف ومصاريفه اليومية في ما بعد مما كان يتقاضاه عن عمله في نهايات الأسابيع بمخزن محلي، حتى نال الدكتوراه في 1997وأصبح يتردد على حمص مرة أو مرتين في العام.
وسخرت منى الطويل من اشتباه الشرطة بأن زوجها قد يكون قاتل ابن أخيه، وقالت ردا على سؤال عما دفعهم الى اعتقاله اذا كان بريئا: «لا أدري.. اسألهم، ولا تسألني. واسأله أيضا عندما يخرج بريئا من المعتقل بعد أسبوع على الأكثر» وفقا لما تفاءلت عبر الهاتف من حيث تسكن في بوربنك، المقيمة فيها قلة من عرب مهاجرين بين سكانها البالغين أكثر من 100 ألف نسمة، معظمهم يعمل في استديوهاتها السينمائية الشهيرة.
واتصلت «الشرق الأوسط» أيضا بالصحافية لوليتا هاربر، المتابعة ملابسات الجريمة منذ وقوعها لصحيفة «بوربنك ليدر» التي تعمل فيها بالمدينة الريفية، فقالت عبر الهاتف إنها لا تعرف المزيد عما ورد في بيانات الشرطة «عن هذه الجريمة الغريبة» كما وصفتها. لكنها ذكرت بأن للشرطة أسباباً، غير بقعة الدم، حملتها على الاشتباه بفاضل الطويل، «فقد اتضح أن ابن الأخ كان يدافع عن ابنة عمه فيلما ضد والدها الرافض بغضب دائم نمط عيشها المتحرر على الطريقة الأميركية، والذي كان يعاملها معاملة المشكك بسيرتها وتفاصيل دورة حياتها اليومية» على حد تعبيرها.
وكانت فيلما، التي تعمل في محل لشبكة مكدونالد لبيع السندويشات في المدينة، قد شكت للشرطة مرات عدة من والديها «المتجسسين عليّ في البيت، الى درجة أنهما كانا يتنصتان على مكالماتي الهاتفية، ولا يدعاني أطيل حتى المكوث في الحمام، من دون معرفة السبب في كل مرة» وفق ما ورد من شهادتها للمحققين.
وذكرت الصحافية لوليتا أن شرطة لوس أنجليس تولت قضية مقتل هلال الطويل، لأن بقايا جثته المبعثرة وجدت بعد 3 أسابيع من اختفائه في مصنع فيها، حيث بدأت تراجع البلاغات عن أشخاص مفقودين مع معظم مخافر الشرطة في كاليفورنيا، الى أن وصلها نبأ الشكوى التي تقدمت بها فيلما الطويل عن اختفاء ابن عمها في بوربنك، فسارعوا الى شقته هناك، ومنها أخذوا حذاءه ليعاينوه في ما بعد من الداخل، وليجدوا أن بصمات أصابع قدمه تطابق تماما بصمات أصابع القدم التي عثروا عليها في مصنع معالجة الورق والكرتون المستعمل بلوس أنجليس. وفي هذه الأيام التي يقضيها فاضل الطويل سجينا، بانتظار محاكمة لم يتم تحديد موعد لجلستها الأولى بعد، يتحدث عرب كاليفورنا وبوربنك المهاجرين هناك عن الجريمة الغامضة وملابساتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق