Pages

السبت، 21 مايو 2016

سيدنا محمد بن أبي بكر عليه السلام

سيدنا / محمد بن أبي بكر ( عليه السلام )
سيدنا / محمد بن أبي بكر ( عليه السلام )

انقل اليكم بعض ما ذكر عن حد من حدود سيدنا علي بن ابي طالب عليه السلا وهو سيدنا / محمد بن ابي بكر عليه السلام .

اسمه ونسبه :
محمّد بن أبي ‏بكر بن أبي‏ قُحَافة ( الخليفة الاول ) ، وأمّه أسماء بنت عُمَيس . وُلد في حجّة الوداع سنة ( 10 هـ) بذي الحُلَيفة ، في وقت كان رسول ‏الله ( صلى الله عليه وآله ) قد تهيّأ مع جميع أصحابه لأداء حجَّة الوداع .

ونشأ محمّد بن أبي بكر في حِجر الإمام علي ( عليه السلام ) إلى جانب الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، وامتزجت روحه بهما ، وكان الإمام ( عليه السلام ) يعتبره مثل أبناءه حيث يقول فيه : ( محمّد ابني من صُلب أبي ‏بكر ).

نشأ في المدينة المنورة، في حجر الإمام علي عليه السّلام، وشهد معه الجمل وصفين، وولاه مصر.

والدته أسماء بنت عُمَيس الخثعمية، وكانت أسماء زوجةَ جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وهي تعد من النساء الأوائل في الإسلام، ومن شيعة علي عليه السّلام، وكانت تكثر من السؤال لرسول الله صلّى الله عليه وآله لتتعلم معالم دينها منه. هاجرت مع زوجها جعفر إلى الحبشة في أوائل مَنْ هاجر، فولدت له هناك عبدالله الجواد. ثم استشهد جعفر في يوم مؤتة ، فتزوجها أبو بكر، فولدت له محمداً، ثم توفي أبو بكر، فتزوجها الإمام علي أمير المؤمنين عليه السّلام، فأصبح محمد ربيبه وخريجه، وجارياً عنده مجرى أولاده، رضع الولاء والتشيع من زمن الصبا، واستقاه من أمه ومربيه، فلم يكن يعرف أباً له غير علي عليه السّلام، ولا يعتقد لأحد فضيلة غيره، حتّى قال علي عليه السّلام: « محمد ابني من صلب أبي بكر »، وكان يكنّى أبا القاسم، وكان من عُبّاد المسلمين ونسّاكهم، وكان يثنى عليه لفضله وعبادته واجتهاده.

قرابته من آل البيت عليه السّلام :
لقد كان محمد أخاً لعبدالله بن جعفر لأمه ، وعاش ردحاً من الزمن في كنف الحسنين عليهم السّلام يقتبس من نوريهما ويتأثر بهما، ثم جاء فتح فارس في معركة القادسيّة، فأُسِر ليزدجرد أربع بنات، كانت إحداهن من نصيب الإمام الحسين عليه السّلام، فأنجبت له الإمام زين العابدين عليه السّلام، وهي شاهزنان،

والثانية شهربانويه، تزوجها محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم، وتوفيت شاهزنان أم الإمام زين العابدين، فقامت بتربيته خالته شهربانويه زوجة محمد، فأنزلها الإمام زين العابدين عليه السّلام بمنزلة أمه. أمّا البنتان الأخريان فتزوج إحداهما الإمام الحسن عليه السّلام والثانية عبدالله بن عمر.

فعلى هذا يكون القاسم بن محمد والإمام زين العابدين عليه السّلام أبناء خالة. وكان للقاسم ابنة اسمها « أم فروة » تزوجها إمامنا الباقر عليه السّلام، فولدت له الإمام الصادق عليه السّلام، فيكون محمد بن أبي بكر جد الإمام الصادق عليه السّلام لأمه، مع العلم أن أمّها هي ابنة عبدالرحمان بن أبي بكر شقيق محمد. ومن ألطاف الله على محمّد بن أبي بكر أن جعل ذريته موصولة الرحم بذرية الرسول صلّى الله عليه وآله.

يقول الأصمعي: ( كان أكثر أهل المدينة لا يرغبون في الإماء، حتّى نشأ فيهم علي ابن الحسين عليه السّلام والقاسم بن محمد وسالم بن عبدالله بن عمر، ففاقوا أهل المدينة علماً وفقهاً وورعاً، فرغب الناس في الإماء . )

جهاده :

اشترك محمد بن أبي بكر في معركة الصواري البحرية سنة 31هـ، في عهد عثمان بن عفان ، وهي معركة بحرية جرت بين المسلمين والروم، وأُرْسِل محمد في سفارة إلى أبي موسى الأشعري بالكوفة في عهد أمير المؤمنين عليه السّلام ، وفي معركة الجمل كان قائد الرجّالة . وهو الذي حمل الهودج من بين القتلى، فأمر الإمام علي عليه السّلام أن يضرب عليه قبة، ثم قال لمحمد: « أنظر هل وصل إلى اختك عائشة شيء من جروح ».

وعندما أقبل الليل أدخلها البصرة وأنزلها دار عبدالله بن خلف الخزاعي، ضيفة عند صفيةً بنت الحرث بن أبي طلحة، ثم أعادها الإمام علي السّلام إلى المدينة المنورة برفقة أخيها محمد مع أربعين امرأة متنكرات بزيّ ثياب الرجال حرساً لها .

ولاية مصر وما جرى له فيها :
وبعد أن عُزل قيس بن سعد عن ولاية مصر، عيّن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام محمد بن أبي بكر والياً عليها. ثمّ إن الإمام عهد إليه وأوصاه ناصحاً له بقوله :
( بسم الله الرحمان الرحيم، هذا ما عهد به عبدالله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر، وأمره بالتقوى والطاعة في السر والعلانية، وخوف الله عزّوجلّ في الغيب والمشهد، واللِّين على المسلمين، والغلظة على الفاجر، وبالعدل على أهل الذمة، وبإنصاف المظلوم، والشدة على الظالم، والعفو عن الناس، والإحسان ما استطاع، والله يجزي المحسنين ويعذب المجرمين )

وعندما نزل محمد مصر تلا على الناس عهد أمير المؤمنين إليه، ثمّ عقب على كتاب الولاية فقال :

( الحمد لله الذي هدانا وإياكم لما اختّلِف فيه من الحق، وبصرّنا وإياكم كثيراً مما كان عُمِيَ علمه. ألا إن أمير المؤمنين ولاني أمركم، وعهد إليّ ما سمعتم، وما توفيقي إلاّ بالله، عليه توكلت وإليه أنيب، فإن يكن ما ترون من إمارتي وأعمالي طاعةً لله، فأحمد الله على ما كان من ذلك، فإنه هو الهادي له، وإن رأيتم عاملاً لي عمل بغير الحق، فارفعوه إليّ وعاتبوني فيه، فإني بذلك أسعد وأنتم بذلك جديرون، وفقنا الله وإياكم لصالح الأعمال برحمته )

إرسل معاوية عمرَو بن العاص في جيش كثيف إلى مصر بعد توجه الإمام عليّ عليه السّلام إلى العراق . ولما بلغ الإمام عليّ عليه السّلام اضطراب الأمر في ولاية مصر، سارع إلى إرسال القائد مالك الأشتر، وذلك قبل أن تستشري الفتنة، ولكن معاوية استطاع بحيلة منه أن يدسّ السم للوالي الجديد وهو في طريقه إلى تسلم ولايته، مستعيناً بأحد رجال الخراج في مكان يقال له القلزم وهو السويس حالياً، فشرب الأشتر وهو لا يشك في مضيّفه، شربة ماء ممزوجة بالسم والعسل فاستُشهِد، وبذلك أضحى محمد بن أبي بكر وجهاً لوجه مع اثنين من الدهاة معاوية وعمرو بن العاص.

أقبل عمرو بن العاص قاصداً مصر باتجاه محمد بن أبي بكر، فقام محمدٌ خطيباً فقال :

( أمّا بعد، يا معاشر المؤمنين، فإن القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة، ويفشون الضلالة، ويستطيلون بالجبريّة، قد نصبوا لكم العداوة، وساروا إليكم بالجنود، فمَنْ أراد الجنّة والمغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم في الله. انتدِبوا رحمكم الله مع كنانة بن بشر )

ثم ندب معه نحو ألفي رجل، وتخلّف محمد في ألفين، وبعد معارك بين الطرفين، واستشهاد خيرة أصحاب محمد بن أبي بكر، وتفرّق الآخرين عنه، استطاع معاوية بن حديج وهو من أصحاب عمرو بن العاص أن يظفر بمحمد ابن أبي بكر وهو يكاد يموت عطشاً، فوثب أخوه عبدالرحمان بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص، وكان في جنده، فقال :

( لا والله، يُقتل أخي صبراً ! ابعث إلى معاوية بن حديج فَآنْهَه عن قتله ، فأرسل عمرو بن العاص أن ائتني بمحمد ، )

فقال معاوية : أقتلتم كنانة بن بشر ابن عمي، وأخلّي عن محمد، هيهات ! أكفّارُكم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر ؟! .

فقال محمد: اسقوني قطرة من الماء،

فقال له معاوية بن حديج: لا أسقاني الله إن سقيتك قطرة أبداً، والله لأقتلنّك يا ابن أبي بكر وأنت ظمآن، ويسقيك الله من الحميم والغسلين،

فقال له محمد: يا ابن اليهودية النسّاجة؛ ليس ذلك اليوم إليك، إنما ذلك إلى الله يسقي أولياءه ويظمئ أعداءه، وهم أنت وقرناؤك ومَن تولاك وتولّيته، والله لو كان سيفي في يدي ما بلغتم مني ما بلغتم.

فقال له معاوية بن حديج: أتدري ما أصنع بك ؟ أدخلك جوف هذا الحمار الميت ثم أحرقه عليك بالنار، وكان في المغارة جيفة حمار ميت.

قال محمد : إن فعلتم ذلك بي فطالما فعلتم ذلك بأولياء الله، وأيم الله إني لأرجو أن يجعل الله هذه النار التي تخوفني بها برداً وسلاماً، كما جعلها الله على إبراهيم خليله، وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نمرود وأوليائه، وإني لأرجو أن يحرقك الله وإمامك معاوية، وهذا ( وأشار إلى عمرو بن العاص ) بنار تَلَظّى، كلّما خَبَتْ زادها الله عليكم سعيراً.
إلى آخر ما دار من حوار بينهما، ثم غضب معاوية بن حديج، فقدّمه وضرب عنقه، ثم ألقاه في جوف حمار وأحرقه بالنار .

فلمّا بلغ ذلك الخبر عائشة أخته، جزعت عليه جزعاً شديداً، وصارت تقنت في كلّ صلاة تدعو على معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاوية بن حديج .

فكتب عمرو بن العاص إلى معاوية بن أبي سفيان بعد قتل محمد بن أبي بكر وكنانة بن بشر، ( أما بعد، فإنا لقينا محمد بن أبي بكر وكنانة بن بشر في جموع من أهل مصر، فدعوناهم إلى الكتاب والسنّة، فعصوا الحق، فتهوّلوا في الضلال، فجاهدناهم، واستنصرنا الله جلّ وعز عليهم، فضرب الله وجوههم وأدبارهم، ومنحنا أكتافهم! فقُتل محمد بن أبي بكر وكنانة بن بشر، والحمد لله رب العالمين )

وفاته :
وكانت وفاة محمد بن أبي بكر في مطلع سنة 38هـ، وكان له من العمر ثمان وعشرون سنة.

يقول عنه الحلي في خلاصة الأقوال ( جليل القدر ، عظيم المنزلة ، من خواص علي ). له قبر (يقال أن به رأسه) بقرية ميت دمسيس التابعة لمركز أجا بالقرب من المنصورة.

ولما سمع الإمام ( عليه السلام ) بخبر استشهاده ( رضوان الله عليه ) تأثَّر عليه كثيراً ، وقال ( عليه السلام ) فيه : ( لقد كان إليَّ حبيباً ، وكان لي رَبيباً ، فعند الله نحتسبه ولداً ناصحاً ، وعاملاً كادحاً ، وسيفاً قاطعاً ، وركناً دافعاً )

تحياتي للجميع والسلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق