الخميس، 7 يوليو 2016

تعريف الفرد السعودي

السعودي ذو المليون وجه

الفرد السعودي يعرف كل شيء تقريباً، ويمارس كل شيء تقريباً، والمجتمع السعودي ملائكي وإنسي وجني في نفس الوقت. فيه الملحد، والكافر، والمشرك، والمسلم، والمؤمن، وفيه الصالح والطالح، وفيه الطيب والخبيث، وفيه الجواد والكريم وفيه عكس ذلك. الفرد السعودي فيه من الفنون والجنون والمجون الشيء الكثير. فهو يعمر مساجد الله بالصلاة والإستغفار، وهو يعمر مراقص وحانات أوروبا وأمريكا وأسيا وأفريقيا. وهو يستهلك كميات كبيرة من حبوب الرز والقمح واللحوم بكل أصنافها، وهو أيضا يستهلك كميات من حبوب الكابتاغون والمخدرات والمسكرات بكل أنواعها في الداخل والخارج. الفرد السعودي الذكر لا يشاهد المرأة في الظاهر إلا لماما فبينهما برزخ لا يبغيان. لكنه في نفس الوقت، يغازل الأنثى ويبث لها أحزانه وأشجانه وهي كذلك، ويلتقيان ليس في الواقع الإفتراضي فقط، بل في الواقع الحقيقي ويتهادون الأغاني والورود ويتبادلون المشاعر والعواطف وأشياء أخرى. الفارق هو في درجة السريّة التي تفاقمت حتى بات كل شيء سرياً، وتحولت معظم مناحِ الحياة وأدواتها إلى “إثم”، أليس الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطّلع عليه الناس؟ لم يعد هناك فارق لدى الفرد السعودي بين الكبيرة والصغيرة، كل شيء ممنوع وكل شيء محرم، وتلاشت تلك الدرجات بين الحرام والحلال، والتي لم تعد موجودة سوى في كتب الفقه القديم.

الفرد السعودي هو ذاك النزيل في الفندق الذي يسأل في أول مكالمة عن إتجاه القبلة، والمكالمة التي تليها مباشرة يطلب وعاء الثلج. بعد ذلك، يشمر هذا الكائن عن ساعديه فيتوضأ ويصلي قصراً وجمعا، ثم يُفرغ حقائبه ويخرج هواتفه ويواعد صاحبته، وحين تأتي يجلسان في ركن بعيد هادي يقدم لها الهدايا، وحالته النفسية والذهنية والشعرية محلقة، يقول لها: يا سيِّدتي: كم أتمنّى لو أحببتُكِ في عصر التَنْويرِ .. وفي عصر التصويرِ .. وفي عصرِ الرواد

الفرد السعودي، يؤمن بكل الرسالات والأنبياء والرسل، ولا يفرق بينهم، ويعيش عصر الأغريق ويتخيّل كيف كان فلاسفة الإغريق يحتسون النبيذ في جبال الأولمب. يعيش هذا الكائن عصر الفرس والروم ويعيش عصر النبوة وعصر الأمويين والعباسيين والفاطميين والمماليك والعثمانيين والأوروبيون والأمريكان والصينيون قديما وحديثاً، في آن واحد، حتى الثقافة الروسية له منها جانب.

الفرد السعودي هو كائن متنوع وكثير وحاضر بكثافة في كل مكان في العالم، بالرغم من قلة عدد السكان في المجتمع. ومع هذا تجده في معظم مدن الخليج، وفي شمال أفريقيا، وفي كل مدن المغرب. كما يتواجد في بيروت والقاهرة وإستانبول وباريس وميلانو ومونت كارلو ولندن ونيويورك ولوس أنجليس ولاس ڤيجاس، ومانيلا وجاكرتا وريودي جانيرو.. يتواجد هذا الكائن أيضا على الحد الجنوبي يدافع ويقاتل ويحمي بشجاعة وبسالة. كما يشارك مع داعش والقاعدة والأخوان المسلمين، تجده في الشوارع والأسواق والمولات، وفي المنتجعات والإستراحات والشاليهات أيضاً. هو هنا وهو هناك، هو هذا وهو ذاك. الفرد السعودي يتحدى ويتعدى في حضوره الدولي أعلى عشر جنسيات في العالم مجتمعة: الصين والهند والولايات المتحدة وأندونيسيا والبرازيل والباكستان ونيجيريا وبنقلاديش وروسيا واليابان. كما أن الفرد السعودي هو الكائن الوحيد الذي يسأل ويبحث في الخارج عن المكان الذي لا يتواجد فيه أبناء بلده، ثم يذهب إليه فيجد “الربع” كلهم هناك، ثم لا يلبثوا أن يختصموا على الفاتورة.

الفرد السعودي هو الكائن الوحيد الذي يقدس العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج ويحترم نوافل التراويح والتهجد في رمضان، وهو ذاته يهمل الأخلاق فتجده يكذب ويغش ويتحايل ويملأ الساحات والحدائق بالقاذورات. وهو الكائن الذي مأسس الرشوة والفساد وإخترع ممارسة أسماها أستاذنا القصيبي، رحمه الله “الرشوقراطية”. وهو الذي يهب للصلاة ويسرع للحاق بالخطيب في المسجد والصلاة من يوم الجمعة، ويدافع بكل ما أوتي من قوة عن الفضلاء والفقهاء. وهو في ذات الوقت، الذي يُنهي عمله في نهاية الأسبوع، ويرسل رسالة إلى الجميع يقول فيها: خميس ومالي خلق أزعل مهما تستفزوني .. أنا فوق السحاب هناك شوفوني.. بأجل للأحد كل شي وبستانس .. إلين اليوم يصبح أول أول أمس. لكن هذا الكائن لا يلتزم بوعده والإنتظار إلى يوم الأحد، إذ لا يلبث أن يمطر الجميع في اليوم التالي برسائل التقوى والأحاديث ومجموعة من أدعية الإستغفار، نتيجة شعور مضني بالذنب.

الفرد السعودي هو الكائن الوحيد الذي يستمع للأغاني والموسيقى من كل فن ولون لكنه يردد الشيلات ويحتفظ بأشرطة دعاء القنوت وعذاب القبر وكتيب المرأة المسلمة المحصنة.

الفرد السعودي هو ذلك البائس الفقير الذي يعيش في الفقر من دون عوز ويتقبله بكل رضى وقناعة، ويسكن جحوراً يسميها حُجر .. ويعيش في أماكن يطلق عليها هِجر. وهو ذلك الفرد الثري الذي يسكن في القصور وبحال ميسور .. وهو الموظف الذي يفكر في فاتورة الكهرباء وفي المنزل
كالقطط يدور .. ليطفىء النور .. ويمر على دورات المياه كالفأر ليقفل الصنبور .. خشية من فواتير تقتل فيه البهجة والسرور. وهو ذلك الفرد السعودي الذي يَصُب على أيدي ضيوفه من عِطر العود صبا.. ويقدم لهم عنباً وفاكهة وأبا .. ويستعرض سياراته الفارهة المطلية بالذهب في أوروبا ولا يخشى مطبا. الفرد السعودي هو الكائن الذي يقول له وزير التجارة إستبدل الرز بالمعكرونة، ويقول له وزير الإسكان إستبدل السكن بالفكر، ويقول له وزير المياه أحفر بئر في بيتك، وهو صابر محتسب معتبراً سماع تلك التصريحات من باب تعويد النفس على المكاره.

حياة “الكشكول” أو الفوضى الفكرية التي يعيشها المجتمع السعودي هي نتاج غياب القنوات المتخصصة للحوارات والتواصل. المجتمع كالمدرسة بحاجة إلى فصول متخصصة في المواضيع المتنوعة من المعرفة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أخر الأخبار




بحث هذه المدونة الإلكترونية

آخر المواضيع